مبنى عام ذو أهمية تاريخية. أحد أعرق وأهم الخانات في البلاد. ينتظر الترميم وإعادة البناء.
الخان - خلفية تاريخية عامة
كلمة فارسية تعني منتجعا على الطريق. تطورت الخانات في فترة المماليك بتأثير الازدهار التجاري وبالأساس بين الغرب والشرق، حيث أقيمت الخانات على طول الطرق الرئيسية وخصوصا بين دمشق والقاهرة، وصارت محطات توفر إمكانية المبيت للقوافل والمارة. ومع تدهور حالة الأمن على الطرقات إبان انهيار السلطة المركزية العربية استعملت المباني كملجأ للأمان والسلامة ونجد العديد من الخانات التي أقيمت إلى جانبها قلاع أو أبراج للمراقبة، كما استعملت بعضها كمحطات لعابري السبيل ولجباية الضرائب وكجزء من جهاز البريد في الإمبراطورية. وتحولت الخانات البلدية إلى ما يشبه السوق التجاري والى مخازن للبضائع والحيوانات.
الشكل المعهود للخان هو مبنى رباعي يحتوي على غرف قائمة حول ساحة داخلية فسيحة، بحيث تنفتح بوابة خارجية على الساحة الداخلية التي توجد فيها بئر للماء. بنيت بعض الخانات بشكل دهليز مقوس، مثل خان العمدان في عكا، وبنيت الواجهة خانات الداخلية في خانات أخرى على شاكلة فتحات بدون دهليز، أي غرف مفتوحة بصورة مباشرة على الساحة. وكان الخان مؤلفا أحيانا من طابق واحد وأحيانا من طابقين. وقد استعملت الغرف في الخان المكون من طابق واحد لتخزين البضائع والسكن في الوقت ذاته. أما في الخان المكون من طابقين، فقد استعملت غرف الطابق الأول منه كمخازن واسطبلات، فيما استعملت الغرف العليا للنوم.
وقد بنيت الخانات من مواد ملائمة لطبيعة المناطق التي أقيمت فيها. فالخانات الشمالية في منطقة صفد والجولان بنيت من حجارة البازلت أما في مناطق الجبال الداخلية فقد بنيت من الحجارة الجيرية، وفي الساحل من حجارة الكركار المحلي. نجد في الكثير من الخانات مسجدًا أو غرفة يستعملها الحجاج للصلاة، ونجد في العديد منها سبيلا أو بركة ماء. ونجد في بعضها حماما فاخرا مثل خان التجار الشهير.
المسافة التي تفصل بين الخانات تكاد تكون متساوية، أي بمقدار يوم واحد من السير على الأقدام بين الواحد والآخر، وهو ما يعادل 30 كيلومترًا. وقد أطلقت على الخانات عادة أسماء أصحابها مثل خان مسرور أو خان الخليلي في القاهرة أو خان العظم في دمشق، أو سميت حسب البضائع المخزنة فيها مثل خان الحرير في دمشق أو خان الزيت في القدس.
خان الباشا
يعتبر خان الباشا أقدم الخمسة خانات التي أقيمت في مدينة الناصرة، فقد بني في مدخل الناصرة التاريخي، وهو بشكل ساحة كبيرة محاطة بغرف على هيئة عقد من
ثلاث واجهات، بينما الواجهة الرابعة فبشكل دهليز مقوس. نجد قرب بوابة المدخل مطلعي درج إلى السطح الذي استعمل للنوم خلال أشهر الصيف. لا نجد فيه بئرًا للماء أو سبيلا لكن، يمكننا الافتراض أنه كانت بئر للماء في وسط الساحة الداخلية.
تكون الخان في البداية من طابق واحد فقط، لكن، في نهاية القرن الـ 19 أضيفت عشر غرف ضيافة في الطابق الثاني. استعملت هذه الغرف كفندق عصري باسم "الحجاز". يمكن أن نأخذ فكرة عن بناء الخان من اللوحة التي رسمها الفنان الإنجليزي ديفيد روبرتس من عام 1839: لفت الخان انتباه الرسام، وهو المبنى الأبرز والأروع في اللوحة التي تصف معالم المدينة.
من الصعب معرفة تاريخ بناء الخان بسبب نقص المصادر. في عام 1814 كتب إبراهيم العورة، مدير السجلات والديوان في فترة حكم سليمان باشا حاكم عكا: "بعد وفاة سليمان باشا عبدالله الذي قام بترميم الخان". وبالتالي يمكن الاستنتاج أنه في عام 1814 تمَّ ترميم الخان بعدما كان في حالة صعبة. من المحتمل أن يكون قد بني في بداية الفترة العثمانية، ومن المحتمل أنه بني حتى قبل ذلك.
استعمل خان الباشا كمضافة للمسافرين وكان بمثابة مخزن للبضائع حتى نهاية الفترة العثمانية. وكان المحطة الأولى على مدخل المدينة، والمحطة الأخيرة عند مغادرتها ولذلك فقد استعمل لنقل الأخبار والأنباء بين الناس الذين كانوا يترددون عليه. وكان الخان مركزًا تجاريًّا هامًّا لسكان المنطقة: شهد حركة تجارية شملت البيع والشراء كما تمتع السكان بمشاهدة عروض الغجر الذين قدموا إليه وبصحبتهم قردة ودببة.
وعلى غرار الخانات الأخرى في المنطقة، بدأت أهميته في الانحسار مع حلول معالم الحياة العصرية الحديثة والتغيير في وسائط النقل. ابتداء من القرن التاسع عشر بنيت فنادق عصرية وتراجعت أهمية قوافل الطحين التي كانت معدة للتصدير إلى أوروبا من حوران إلى ميناء عكا. إقامة قطار الحجاز في حيفا عجلت من وتيرة هذه العملية.
الخان، الذي يشكل جزءًا من أملاك الأوقاف التابعة للمسجد الأبيض، يستعمل اليوم لتأجير مكاتب، ومن ضمنها مكاتب جمعية الناصرة للثقافة والسياحة. طابق المكاتب أقيم فوق الخان في سنوات السبعين من القرن العشرين بهدف تمويل بعض مصاريف أوقاف الجامع الأبيض.
(المصدر: شريف صفدي بتصرف الاستاذ فوزي ناصر)
|